النص المترجم هو جزء من مقال لـويل، عنوانه (الحياد عن المسار). وهو أحد طلاب الفلسفة المهتمين بفلسفة السياسة الحيويّة والإعاقة، ويعمل أيضًا كأحد مقدمي بودكاست اسيد هورايزن المختص بنقاش النظريات الفلسفية من وجهة نظر محايدة.
لقد حاولت أن أُبيّن أن هذا التراث المجنون والمأساوي في ظاهره، يملك خصائص تاريخية جينيولوجية] … [أود أن أطرح مجددًا مشكلة استخدام المجتمع لطب النفس كأداة دفاعية مع نهاية القرن التاسع عشر، بدأً من مشكلة الأناركية والإضطراب الاجتماعي.
– ميشيل فوكو، اللاطبيعي: محاضرات في الكوليج دو فرانس (1974-1975) (ص 318).
الترجمة
إدوارد سيجوا، المعالج الفرنسي الذي أُثني على عمله مع الأطفال المعاقين، كتب نصًا اكلينيكيًا لاقى رواجًا واسعًا عبر الأوساط الأوروبيّة والأمريكيّة في عام 1846م، عنوانه “العلاج الأخلاقي: صحة وتعليم الحمقى والأطفال ذوي القدرات العقلية المحدودة”. صنفه المعالجون الأوروبيّون على أنه “ماجنا كارتا تحرير الطبقة المعتوهة!” وقال المعالج النفسي جون إدوارد والين عن سيجوا أنه “نبي”، ووصف كتابه بـ”أفضل عمل مكتمل لتحسين حياة الأبله”. إن المعلمين اللذين يتبعون منهجية سيجوا التعليمية يجب “أن ينادوا الروح داخل الطفل” (والين 1924، 18). إن الأطفال الذين تم تشخيصهم بـ”الغباء” ملبوسون بغريزة يمكن وصفها بـ”حالة فوضوية وغير مشمولة”. وهذا لا يعني أن غريزتهم ليست مشمولة بالشكل المطلوب داخل “قدراتهم العقلية وأعضائهم الحيوية” فقط، بل أن هنالك فجوة أساسية بشموليتهم في هذا العالم بحد ذاته، وبتوقعاته الأخلاقية الثمينة أيضًا. يصف سيجوا الطفل المعاق على أنه يحمل طريقة وجود “تقصيه عن العالم الأخلاقي” (فوكو نقلا عن سيجوا 2006، 210). الموقع الأخلاقي لشخصٍ ما في العالم يؤكّد في ثنايا العادي. والإدانة الأخلاقية العنيفة تقع داخل جذور تعريف-اللاطبيعي. وبالطبع هنالك فرق سياسي أيضًا. فحسب فوكو، إنّ السلوك الذي تم تشخيصه للطفل اللاطبيعي لا يعتبر أعراض مَرَضيّة، بل “سجايا طبيعيّة أناركيّة” (فوكو 2006، 212). الطفل اللاطبيعي يوصف على أنه يملك “إرادة ذات طابع أناركيّ محدد”. والإرادة الطبيعيّة المستحسنة للبالغ هي “إرادة قابلة للطاعة”. وأنّ إرادة “الأحمق” هي إرادة “ترفض بعناد وأناركيّة وتقول ‘لا‘”. الإقتراح الذي كان يقدمه سيجوا للمعلمين هو وجوب التدخل بطريقة معينة لإنتاج “أسر مادي كامل يهدف إلى تطويع وإتقان الجسد” (فوكو 2006، 217). معاناة الأطباء النفسيّين مع سؤال احتماليّة تكوّن النزعة الأناركيّة اتجاه المعلمين لدى الطفل لا تزال محيرة. وبشكلٍ لا يُثير الدهشة، أصبحت اقتراحات سيجوا مثالا يحتذى به بالنسبة للمؤسسات العامة والخاصة التي كانت تُعنى بإيقاف وحبس وتعليم الأطفال المعاقين في الولايات المتحدة في بدايات القرن العشرين (والين 1924، 19).
هي حرية الاختلاف التي لطالما كانت، ويجب أن تكون للأبد، أناركيّة وغير محدّدة. الضل عن السبيل هو تأكيد على الحياة.
– ويل، الحياد عن المسار (2021).
يمكن أن تُفهم هذه العلاقة بين الأناركي واللاطبيعي في الإتجاه المعاكس أيضًا. يُناقش المختص بالعلوم الجنائيّة الإيطالي سيزار لامبروسو امكانية “التفريق بين الثّورة ذات الفائدة الحقيقيّة والمثمرة، وتلك الثورات العقِيمة المثيرة للإشمئزاز” من خلال تقديم تفسير “بايولوجي-تشريحي وسايكولوجي-نفسي علمي”. ويصف لامبروسو الثائرين أمثال كارل ماركس وشارلوت كورديه، على أنهم يملكون “ملامح منسجمة بشكل رائع”. والمفارقة هنا، أنه عندما تم القبض على 41 أناركي في باريس، كَتب في تحليله أنّ “31 بالمئة منهم كانو يملكون تشوهات خلقيّة واضحة. وأنه من بين المئة أناركي من الذين قُبض عليهم في تورينو، 34 منهم كانو لا يملكون القامة الرائعة والمتناغمة مثل كارل ماركس وشارلوت كورديه” (فوكو 2003، 154).
نجد في اللّاطبيعي طريقًا يصل ما بينه وبين التأكيد السياسي لأناركيته؛ وفي الأناركي طريقًا يصل ما بينه وبين التأكيد القانوني-الطبي لِـلاطبيعيته.
مراجع
Foucault, Michel. 2003. Abnormal: Lectures at the College de France 1974-1975. (G. Burchell, Trans.) New York: Picador.
Wallin, J.E. 1924. The Education of Handicapped Children. New York: The Riverside Press.